قبل عدة أيام, قرأت موضوعاً طرحه الأخ أحمد عن برنامج اسمه Anti إلحاد و بعد عدة أيام من قراءتي للموضوع أصرّ صديق شخصي لي أن أشاهد البرنامج فقررت مشاهدة بضعة حلقات.
لن أتكلم هنا عن انطباعي عن البرنامج, بل عن موضوع جميل لفت نظري. بدأت بمشاهدة الحلقة الأولى (المقدمة) التي يتكلم بها أحمد العمري عن طبيعة البرنامج و هنالك شيءٌ لفتني فيها:
تحدث عمري في مقدمته عن بعض الخرافات المتداولة عن الملحدين التي وصفها بالتعميمات غير الحقيقية و هذا كلامه حرفياً:
"أول خرافة هي أن الملحد ألحد ليفرض أخلاقيته و الملحدون منفلتون أخلاقياً, ببساطة هذا غير صحيح، هنالك ملحدون منفلتون و كذلك هنالك مؤمنون منفلتون، أخلاقيات الملحد قد تكون بمعايير مختلفة، من الظلم التعميم على الجميع أنهم منفلتين أخلاقياً، أو على الأقل أنهم ألحدوا من أجل ذلك، نعرف جميعاً مؤمنين يفعلون الفلتان نفسه و لديهم ما يكفي من الحجج ليستمروا في ذلك"
رابط الحلقة لمن أراد التأكد: https://www.youtube.com/watch?v=XK_PqLo9MHs
دائماً ما أسمع تساؤلات ترقى لاتهامات بالفلتان الأخلاقي: لماذا لا يقتل الملحد؟ لماذا لا يفجر الكون؟ لماذا لا ....
أولاً، كما تفضل الأخ أحمد و كما يعرف الجميع، فإن أي تعميم عن أيديولوجيا معينة هو بالتأكيد خاطئ، و كما يوجد ملحدون منفلتون يوجد مؤمنون منفلتون.
ثانياً، ما هو تعريفنا للأخلاق تماماً؟ هل نحن كانطيون، نفعيون، عدميون ، عبثيون أو ما هي أخلاقنا؟ كلمة أخلاق كلمة مطاطة جداً و لا تعبر عن شيء واحد، بل هي تعبر عن مفهوم خاص لكل شخص...قد تعتقد أنك خارج كل هذه المسميات لأنك ببساطة مؤمن، و لكن أعتذر منك لأنك أنت ضمن إحداها قطعاً، فمثلاً إن كان قتل أحدهم يمنع موت ثلاثة أشخاص هل تؤيد قتله؟ سؤال بسيط كهذا يبين إن كنت كانطياً أم نفعياً، و للعلم المؤمنون لا يتفقون على أجوبة لمعظم المعضلات الأخلاقية.
ثالثاً، حتى لو اتفقنا على معايير أخلاقية معينة، فلماذا أفترض أنه بسبب أن بعض الجماعات ترفض وجود الخالق فهذا سيجعلها تقتل و تسرق و تنهب؟ بسبب عدم وجود أي رقابة؟ بجوابك هذ أنت تؤكد أنك لست بالضرورة مقتنعاً بكل ما تفعله و تؤمن به و إنما تفعله خوفاً من الرقابة العليا، بينما الملحد "الأخلاقي" فهو يفعل ذلك بسبب إيمانه بهذه الأفكار و لرغبته بالمساعدة و هذا أقوى و يدل على تثبت أكبر بالفكرة.
رابعاً، نحن نعرف تطورياً أن الأخلاق لم تنشئ من الأديان، بل مصدرها تطوري، و نظرة بسيطة على بعض التجارب على بعض الحيوانات تأكد هذا و لن أتعمق في هذا الموضوع كونه طويل جداً، و لكن أقول باختصار أن البشر تمتعوا بأخلاق معينة قبل الأديان و سيتمتعون بغيرها بعد وجود الأديان و الحيوانات تتمتع بأخلاق أيضا.
خامساً، هل بالضرورة أن الأخلاق المنصوص عليها دينياً هي الأصلح لنا؟ لن أتكلم عن الإسلام كي لا يعتقد أحد أني أنقد الإسلام فقط، نيتشه كان مسيحياً ثم ألحد و من أكثر الأشياء التي كرهها بالمسيحية هو تشويهها لللحسد و جعلها من أبشع الصفات، فنيتشه يرى أن الحسد هو العامل الوحيد للتطور و لتحقيق أي إنجاز، و إن فكرت بالموضوع قليلاً و إن كنت صريحاً مع نفسك، فحتى لو لم تجد هذا صحيحاً تماماً ستجد به شيء من الصحة.
سادساً، هل الأخلاق المنصوص عليها دينياً واضحة للجميع؟ الأدلة تقول بالطبع لا، فمثلاً لنأخذ داعش و لنقول أنها لا تمت لللإسلام بأية صلة، طيب داعش لا تقوم بأية عملية إلا إستناداً لآيات قرآنية، نقول أنه فهم خاطئ للآيات فأقول إذاً هذه الأخلاق غير واضحة، لكنك قد تقول أن داعش صناعة غربية، و حتى لو سلمنا بهذا فبالطبع الرؤوس و الكبار هم من سيكونوا الصناعة الغربية، أما أفراد التنظيم فهم جنود عاديون يقرأون القرآن و يسمعون تفسيرات من شيوخهم و يصدقونهم، هل كلهم أغبياء؟ بالطبع لا فيوجد أطباء و مهندسين و غيرهم، إذاً من الواضح أن الأخلاقيات المقصودة غير واضحة و يمكن تفسيرها بعدة طرق و بالتالي كل أخلاق المؤمنين هشة، و الآن إن سألت عينة من عشرة أشخاص ليسوا دواعش عن الملحدين، على الغالب بعضهم سيقول لا إكراه بالدين و بعضهم سيقول تقطع رقبته.
فمن الجميل أنه قمنا بالتمدن و ابتعدنا عن قانون الغاب و أصبح لدينا قوانين و دساتير تمنع المؤمنين و الملحدين على سواء من القيام بعمل إجرامي، و قوة الحديد و النار هي القوة التي جعلت الكون على حاله شبه المستقر اليوم و ليس "أخلاق الملحدين"
أخيراً أقول أن كلمة الإلحاد لا تعني إلا رفض وجود الله، فلا يوجد شيء اسمه أخلاق الملحدين، فالملحدين ليسوا حزب سياسي أو تيار ما و لديهم قائد، لا بل هم ببساطة أناس قرروا ترك الدين و عدم التصديق بالله لأسباب معينة.
و كما أنه قد يكون لدى الملحد حجج قوية، فقد يكون له أسباب تافهة جداً جداً و هي trend أكثر من كونها فعلاً حجج منطقية، أو لأن هذا الملحد فعلاً يريد فرض أخلاقيته الخاصة، و لكن هذا الكلام غير صالح للتعميم على 1.1 مليار إنسان.
هنالك الملحد الذكي و الملحد الغبي، الملحد "الخير" و الملحد المجرم، الملحد المثقف و الملحد التافه و ما إلى آخره.
from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً http://ift.tt/2sAR2g4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
دائماً، رأيكم يهمنا،