عملت لفترة كمشغل آلة في مصنع يونيلفر UNILEVER و هو مشهور جدا حيث إشتغلت في قسم الشامبو أو ما يسمى بالمخبر laboratoire، و قتها كنت طالبا أدرس في كلية الهندسة، السنة الرابعة، لكن فريق العمل كان مكونا من مجموعة من خريجي الجامعة، أذكر العامل الذي كان يأتينا بالكرتون الفارغ كان يحمل ماجستير جغرافيا، و العامل الذي يلقبونه بجحا، كان لديه باكلوريوس رياضيات، زميلتي على الآلة المسماة "الدبابة" كانت تحمل إجازة في الإنجليزية.
كنا نعمل على تلقيم آلات التعبئة بعبوات الشامبو الفارغة ماركة سانسيلك sunsilk، الورديات تكون بالصباح من السادسة صباحا حتى الثانية بعد الظهر و التي تليها تنتهي العاشرة ليلا، ثم وردية الليل التي تكون من العاشرة ليلا حتى السادسة صباحا، الحقيقة أنا كنت مستبعدا منها لأن من يعمل ليلا تضاف له علاوة و ساعة العمل تكون مضروبة في واحد و نصف، لم أعرف بذلك إلا في الشهر الثالث من العمل حين سألت أحد زملائي عن أجره فوجدت أنه يفوقني بأكثر من النصف، فتحدثت مع المسؤول و تم تسجيلي للعمل بالليل لأسبوع في الشهر.
عينوني على الدبابة (إسم آلة) ، و هي التي تنتج عبوات 250 مل ، نجلس أربعة عمال بجانب بعضنا و أمامنا هرم مقلوب فيه عبوات فارغة علينا أن نضع أربع عبوات على بساط متحرك في نفس الوقت لذلك تمسك كل إثنتين بيد و تقوم بتثبيتهما على الحامل ثم تعيد العملية...و عندما تنتهي دورة الآلة بعد إنتاج 64 كرتونة كل كرتونة فيها 12 عبوة شامبو.تبدل مع زملائك فتضع السدادات و ذلك بتلبيسها للعبوات الملآنة التي تمر أمامك، ثم بعد ذلك تضع العبوات في الكرتون، تجلس أمام صحن دوار و تمسك كرتونة بين ساقيك و تضع ثلاث قوارير ثم قطعة مستطيلة من الكرتون ثم ثلاث آخرين حتى يصبح العدد 12 في الكرتونة.
و تمررها لزميل يضع عليها الشريط اللاصق ثم يدفعها لعامل يقوم بترصيف الكراتين على لوح، ثم يلف المجموعة بغلاف من البلاستيك.دورة الإنتاج هذه تسمر تقريبا 20 دقيقة، لا ترتاح إلا الساعة الثانية ليلا.
أنا تعودت على العمل على آلة معجون الأسنان signal 2 البطيئة لكنها لا تعمل في وردية الليل، كذلك آلتي الحبيبة التي تنتج معجون الحلاقة razar.حيث كانت دورة إنتاجها بطيئة جدا، حيث يمكنني الذهاب للحمام، أو آلة القهوة و إحتساء مشروب ساخن، أو الذهاب للصلاة، كلما سرحت قليلا في التفكير يمتلأ الصحن أمامي بالقوارير، فيبدأ العمال بالإحتجاج,ما أخف أيديهم فكأنها جزء من الآلة.
ليتني عملت على هذه الدبابة منذ أن دخلت المصنع، تلك الفتاة التي طردتها زوجة أبيها تصب جام غضبها على الكراتين فترميها كأنها ترمي العدو، ليتها تتمهل، حتى أستطيع أن أرصفها جيدا حتى لا تنهار مصفوفتي.
الساعة الثانية ليلا تقترب ،تبدأ عيني بالإنغلاق لوحدها و إطرافي بالتخدر، جحا يضحك و يرقص مزهوا، يبدوا أنه دخن سيجارا من الحشيش للتو، يدق جرس الإستراحة، نذهب لتناول لمجة، أذهب إلى آلة القهوة، أبتاع قهوة ، مرت عشر دقائق، أدخل للمصلى، أتمدد قليلا أسرق قليلا من النوم.لم يرد أن يأتي فقد دب نشاط في جسدي، يبدو أنه مفعول القهوة، الكافيين الرائع.
يضرب الجرس و نعود لأماكننا، يأتي رئيس الفريق ليعلم مشغل الآلة بإبطاء السرعة قليلا حتى لا نتجاوز إنتاج الوردية السابقة، تمر الساعات المتبقية سريعا.
الساعة السادسة، أستحم في أدواش المصنع، ثم إلى المصلى، يأتي زملاء الصباح نشطين، أما نحن فقد دوخنا السهر، كل حركة تكون بتثاقل شديد، أستيقظ عند محطة المترو قرب المنزل، كأن هناك ملاكا حارسا قد أيقظني، أمشي مخدرا إلى غرفتي، أرتمي على الفراش ، إلى النوم الجميل.
from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً http://ift.tt/2djqiLx