ربما يكون هتلر مجرما لأنه قتل الملايين ، ربما يكون ستالين كذلك أيضاً ، لكنني أرى أن من يجعل من المصائب صناعة يتربح منها فهذا أحط من حذاء هتلر نفسه . ربما يسعى هتلر للسيطرة على العالم ، و ربما يكون أذناب الكلاب هنا يخدمون أمريكا التى تسعى أيضا لذات السبب ، حسنا غايات منطقية إذا فكرت من وجهة نظر أصحابها ، و استبحت القتل كما استباحوه ، فلن يكون عندك مشكلة مع الموتى طالما أن ذلك يخدم قضيتك.
الطامة هنا أن تجد من يستغل هؤلاء الموتى ليسكر عقول الأحياء عن الأخذ بثأرهم أو الذود عما ماتوا من أجله ، و هذه الأيام أرى ذلك واضحاً في الإعلام ... . لا أعني بالطبع كلاب المال الذين باعوا أنفسهم و اشتروا بأوطانهم ثمناً قليلا ، إنما أقصد أولئك المحسوبون علينا نحن من ندعي الشرف و براءة اليد و ... . أقصد أقواماً أخبرونا أنهم ينقلون إلينا الحقيقة كما هي ، ثم صاروا ينقلون إلينا نقاشات وصفوها بأنها "ساخنة" ... .
ماذا يعني نقاش ساخن ؟ ماذا تريد من أخذ ساعة من وقتى في سماع نقاش بين اثنين يحمل كل منهما العداء لفكر صاحبه ، و ربما يحمل العداء له أيضاً ؟! . هل تتوقع مثلاً أن يلعبا الشطرنج أو الجولف أمام المشاهدين ؟ أم يلعبا مباراة ودية يعيش الجميع بسلام على إثرها ؟
ماذا يريد رجل من جمع غريمين في مكان واحد أمام الناس و هو يعلم علم اليقين أنهما سيفتكان ببعضهما على الشاشة ؟؟ بالله كيف ترى المشاهدين لتلك القنوات ، و أنا الآن أفترض أنهم الجانب الوطني الحكيم الذي يرغب باسترداد حقه ، هذا يعني أنه لن يألو جهدا في استنفاذ وقته لخدمة قضيته ، أليس كذلك ؟
انظر إلى من يجلس أمام تلك البرامج الحوارية " لا أدرى لماذا يشبهها دماغي دائما بجلسات المصاطب الليلية في القرى قديما ، لكن مع فارق أن هناك كاميرا تنقل ما يحدث على المصطبة إلى العالم " ، انظر إليهم جيداً ، هل تراهم يمسكون دفترا يدونون تلك الدرر التى تتساقط من أفواه المتحدثين ؟ هل تسمع نقاشا و مناظرة هادئة حكيمة بين طرفين يحملان فكرا يريدوا إقناع الجماهير به ، و المذيع الموقر بسمته الهادئ الرزين العاقل ، يدير دفة الحوار بهدوء و انسيابية تجعلك تشعر بنسيم بارد يلطف عليك حرارة النقاش؟ هل ترى كل من الطرفين يحمل مستندات و دلائل تؤيد قضيته و تدعمها ؟؟ الأمر الذي يجعل المشاهدين يستمعون بشغف لأن هذا الحوار ربما يغير تفكيرهم مثلا ؟؟
أخبرني هل نزلت عليك السكينة و أنت تقرأ الأسئلة الأخيرة بالأعلى ؟ أعتقد أن ذلك ما يجب أن يحدث لو أننا فعلا لدينا فعلا ذلك النوع من الإعلام . لكن ، و ببالغ الحسرة ... هذا ما لدينا .. :
تقرع طبول البرنامج ، إى و الله ، تقرع طبوله إيذاناً ببدء الصراع بين اثنين أو أكثر من الديوك الموجودة في الساحة ، و بالطبع كلما كثرت الديوك كلما هاج الصراع و احتمى الوطيس و ارتفعت نسبة المشاهدات من ذلك الجمهور الذي لا يكاد يهدأ من الشتائم التى يلقيها كلما صرع ديكهم غريماً ، أو كلما نفش أحد الديوك الأخرى ريشه أمامهم .
و أنت ترى ذلك المذيع الخبيث يذكي النار بجمر كلامه ليحمّي وطيس المعركة أكثر و أكثر ، كل ذلك والجماهير تهتاج بعصبية ، فربما وجدت صوت المشاهدين يعلو على صليل سيوف المتبارزين في ذلك البرنامج الحواري . حتى إذا انتهى وقت البرنامج ، و انقشع الغبار ألفيت ديكا مضرجاً بدمائه و آخر قد انسحب من المعركة ، و القناة في الخلف تعد ما جنت من مال لقاء مشاهدات الجماهير الحمقاء التى غفلت عن قضيتها و تصورت أن تلك البرامج ستعيد مجدها الذي سلبه غباؤها من قبل.
و هذا كله عن لون واحد من تلك التجارة السوداء ، فلم أتطرق في حديثي إلى لب عملهم و رأس مالهم الذي قاموا من أجله ، الذي زعموا أنهم يتقاضون مالاً من أجله .
ألم يزعموا أنهم ينقلون إلينا الحقيقة كما هي ؟ ألم يزعموا أنهم إعلاميون ؟ يعني إخباريون ؟ يعني ينقلون الأخبار ؟ أنا أريدهم أن يعودوا هكذا ، ينقلون الأخبار ، فقط .... خمس عشرة دقيقة و انتهى الأمر !! .
لكن لا !! ، فترى المذيع منهم يستقبل الإتصالات عن الحدث الواحد ، ليكون المتصل فلان الناشط السياسي في الحركة الفلانية ، أو الحاج فلان ، أو السيدة علانة ، ليسألها كيف ترى الذي حدث ؟!!! .. . بالله هل يحتاج المشاهد إلى من يفسر له ما رأى و ما قصصته عليه بعربية تحسد عليها قبل لحظات ؟ هل يحتاج أن يرى كماً لا بأس به من الناس تؤيد قضيته لكي يحملها على عاتقه أو يتخذ قرارا بشأنها ؟
أليس عندنا دين و منهج أيها القوم نرد إليه أمرنا و ما يستجد علينا ؟ أليس لدينا دين نعرض عليه تلك الأمور لنرى رأيه فيها و نسير وفقه ؟
ثم تعال هنا أيها المذيع الفذ ... ألم تسمع قول الله تعالى " و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك" ؟؟ ألم يأتك نبأ الأمم السابقة التي ناهضت الأنبياء بأجمعها و لم يؤمن للنبي إلى قليل ؟ إذاً لم تصر أن تستخدم منهج أصحاب الباطل لتقنعنا أن كل الناس ترى ما تريدنا أن نراه لكى نقتنع بصدقك ، و صدق قضيتك؟
إن ذلك هو نفس المنطق الذي يستخدمه الجانب الآخر حينما يريد أن يعلن قضية ما ، فهو يستدل بتلك الألوف المؤلفة الوهمية أو الحقيقية التي أيدت كذا و كذا ، و تلك الإتصالات التي ترد إلى البرامج لتؤيد القضية المطروحة ، و هو الذي لا ينبغي فعلا أن يكون مقياسا لتجعلني أتبعك أو لا.
ثم إنني ﻷعجب أشد العجب حقاً من هذا الذي قضى سنوات من عمره جالساً أمام التلفاز يستمع إلى هؤﻻء الإعلاميين، و هو يظن بذلك أنه ينصر قضيته!!. و اعني بهذا كل الأطراف التي تراها من حولك، فكل الشعب الآن يجلس أمام تلك الشاشات ليرى تلك الوجوه السمجة التي تبث أخباراً ليل نهار ..
إنه يظن أنه ينصر ما يعتقده، و يسترد ما خسره، و … "يهتم بأخبار المسلمين”!!!. تعال هنا يا صاحبي المغفل المسكين، لم ﻻ تلقي بنظرة على أسلافنا من المسلمين ممن قادوا البلاد وفتحوا الأمصار وعلموا ونشروا الخير في ربوع الأرضية، بل لم ﻻ تلاحظ أفعالي التي استخدمتها قبل قليل؟! أﻻ ترى أنها كلها أفعال شروع؟! قاموا و نشروا و فعلوا و فعلوا …. .
لم يجلسوا أمام القصاص يروون لهم ما يحدث من حولهم، ولم يستغرقوا أعمارهم في تكرار أخبار من هلك منهم، بل إنهم علموا أن الإسلام منهج عملي، وإن من لوازم ذلك المنهج أن تفعل ما تريد بعقلك الواعي و يديك وجوارحك، ﻻ أن تجلس وتشاهد مثل الأنعام!!!!!.
إنني لهذا السبب تحديدا ﻻ أريد تلفازا في بيتي أبداً، فما أرى له صرفاً و ﻻ عدلا، و إنما أرى إثمه أكبر من نفعه، و إﻻ أخبرني عن ثورة أو حرب أو أي مشروع نجح حينما اكتفى القائمون عليه بالمشاهدة؟!!!.
إن تلك السلبية هي التي قذفت بنا إلى قيعان الموارد!، ولن تخرج نفسك وتنقذ روحك من السؤال أمام الله عن تلك السنين إﻻ إذا تحركت فعليا بجوارحك و نفذت أفعالاً على الواقع لتغيير ما أنت فيه.
شئ آخر لن يكون نهاية ما يضاف إلى كومة القاذورات التي عادت علينا من الإنكباب على تلك القنوات، كم من أناس كانوا يجمعون أبناءهم كل ليلة ليقرأوا لهم و يعلموهم؟ كم من أناس كانت لهم خيرات و عبادات "بكل معاني العبادات، وليس صلاة و صيام فقط” و تناسوها و انشغلوا بالتلفاز و تلك القنوات؟ و كم و كم و كم ؟!!!
إنما ركزت على تلك القنوات و إنني أعلم أن هناك بلاءات ﻻ يكاد الحاصر أن يجمعها من وراء ذلك الإختراع العقيم الذي ما جنينا منه إﻻ سرقة أعمارنا، لكنني قصدت أن أبين تلك القنوات بالذات ﻷن من يشاهدها يظن انه ﻻ يضيع وقته هباءاَ.
شئ أخير، هل تعلم أن والدة بين كارسون حددت له وقتا محددا "أسبوعيا” لمشاهدة التلفاز، معقبة بأنه إذا صرف وقته إلى الكتب فربما يوما ما يصير هو نفسه في التلفاز!!. هذا بالطبع يوم أن كان الظهور في التلفاز شيئاً عظيماً و شرف ﻻ يناله إﻻ النوادر! … بين كارسون هذا صار أول جراح يفصل توأما ملتصقا بالدماغ!.
لتعلم يا عزيزي أن ذلك المذيع المدعي للوطنية والإخلاص والشرف، إما مغفل ﻻ يعقل حقيقة الأمر، أو أنه مستغفل لمن يشاهدونه، وفي الحالة الثانية فإنه ﻻ يعنيه أي شئ بقدر ما يعنيه كم انتشر اسمه كالنار في الهشيم على الشبكات الإجتماعية، وكيف زلزلت هاشتاجاته أركان خوادم الفيس وتويتر. ولكأن كل تغريدة ومنشور إنما هو سهم في صدور أعدائه، ثم يعود آخر النهار مغتبطا وينام قرير العين وهو ظان أنه قد نصر القضية أو أنه (في الحالة الثانية مرة أخرى) قد حقق أرباحا من وراء ذلك لقناته، أو حصل شهرة ﻻ بأس بها بين الناس يضمن بها وظيفة فيما بعد في إحدى القنوات، أو يضمن مشاهدات لقناته على يوتيوب.
from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً http://ift.tt/1N9nsQU