السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسنًا لا أدري من أين أبدأ وترددت في الكتابة أصلًا لأني لا أريد أن أتذكر شيئًا من هذه الطفولة العصيبة.
كنت أقيم مع أسرتي في السعودية بحكم عمل أبي هناك ودرست المرحلة الابتدائية فيها وتعرضت خلال ست سنين من طفولتي لألوان من التنمر الحيواني الذي لا أطيق التفكير فيه حتى.
اعتدت أن أكون أحد 3 أو 4 أجانب في الفصل الدراسي. وبالطبع كانت كل صداقاتي مقتصرة على الأجانب حتى وإن لم أتفق معهم لكنهم كانوا بالنسبة لي خيرًا من الأولاد السعوديين. درست في مدرسة حكومية وهي وإن كانت منضبطة تعليميًا أكثر من المدارس الخاصة لكنك هنا تدرس مجانًا ولا يحق لك الاعتراض ولن يكترث أحد لاعتراضك.
عندما أفكر الآن في كيفية تعامل الأطفال معي حينها أستغرب حقًا وجود عنصرية وكره بغيض للآخرين في هذه السن المبكرة. فسر أحدهم هنا على حسوب ذلك بأنهم رضعوا حليبًا ممزوجًا بالعنصرية والتنمر. لا تفسير إلا ذلك.
اعتدت على الألقاب والنعوت العنصرية ولم أعد أتأثر بها بعد سنة أو سنتين. وبقيت التصرفات والكره البغيض ينغصان علي.
"السعودي عمك", "السعودي تاج راسك" وألقاب أخرى ينحتونها من كلمات لهجة بلادي. هل تتصور أن طفلًا بعمر سبع سنين يستعلي بهذا الشكل على الآخرين إلا أن يكون سمع تلك العبارات في بيته منذ صغره ؟ طبعًا لن أذكر الألفاظ البذيئة على كثرتها وحدتها.
العنف الجسدي حاضر طبعًا لكن لن أطيل الموضوع بذكر المضايقات الجسدية. كنت بطبعي أبتعد عن المشاحنات لأني أعلم أن لا طاقة لي بهم.
ربما تلاشت من نفسي معظم الضغينة على الأولاد لعلمي الآن أنهم كانوا صغارًا غير مسؤولين أو واعين بل هم ضحية تربية سيئة (أو لا تربية). لكن حقدي على أحد المعلمين ما زال في نفسي حتى الآن ولن أتردد لحظة واحدة في إنفاذ غضبي به إن قابلته الآن.
نعم هناك تنمر يمارس من قبل المعلمين أيضًا.
كنت في الصف الثالث الابتدائي وعلمت (ويالدهشتي !) من الأولاد أن إبراز الاصبع الأوسط من اليد إشارة بذيئة. استغربت من هذا وظننت أن هذه الإشارة سيئة في السعودية فقط (إلى أن علمت أنها إشارة عالمية عابرة للقارات). قلت بدهشة لأحدهم: وما المغزى أن هذه الإشارة بذيئة (وقمت بعملها بيدي) فعلم المعلم بذلك وأخبرني ألا أعيدها وأنها "حركة وصخة".
مضت الأيام وفي مرة كان هذا المدرس يتكلم مع المدرس في الغرفة المقابلة (كما يفعل معظم الوقت) ويبدو أنه خطر بباله أن يرفه عن صديقه قليلًا ويضحكه. فقام باستدعائي وقال لي بأن أحد الأولاد شاهدني وأنا أقوم بالـ"الحركة الوضحة" صباحًا في الطابور ! فاستغربت وأخبرته بأني لم أكررها منذ أن علمت منه أنها سيئة. لكنه أصر أن أحدهم شاهدني وأنا أشير بها وبأنه سيحيلني للوكيل كي يؤدبني. بدأت أبكي أمامه بحرقة وأحلف أيمانًا لم أحلفها من قبل في حياتي. وهو يضحك بخبث من المدرس الآخر ويستلذ برؤيتي أبكي وأعتذر عن شيء لم أقم به. انتهت حفلتهم وامرني بأن اعود لمقعدي وألا أكرر فعل ذلك مرة أخرى.
تلاشت معظم تفاصيل الحادث من ذاكرتي لكني أذكر جيدًا الحرقة والألم الذي كان يعتصرني وأنا أجهش بالبكاء وأحلف الأيمان أمامه.
هناك أكثر من موقف مؤلم حدث بسبب هذا الشخص لا يتسع المجال لأسردها.
عندما عدت إلى بلدي في الصف الأول المتوسط شعرت حرفيًا أني خرجت من الجحيم. لأول مرة أرى نفسي متشابهًا مع كل من الصف لا أحد يملك أن يتكبر علي أو ينعتني بأي أوصاف مسيئة ! لأول مرة استمتعت بأن يكون معظم زملائي في الصف أصدقائي. أضحك معهم وأناقشهم في الواجبات والامتحانات وأرافقهم في الطريق إلى البيت. خرجت من وحدتي القاتلة في المدارس السعودية وتخلصت من عنصرية الأولاد وعنصرية المدرسين وعشت في مدارس بلادي أيامًا لا زلت أحن إليها وأنا الآن على وشك التخرج من الجامعة.
from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً https://ift.tt/2I0aSwa