لطالما قلت انني اردت طفلة..
اجل، كم اشتاق لأن اغادر قسم الولادات و بين ذراعَيَّ صغيرتي ، و كم احن لأن اشاهد قطرة الحياة تلك تكبر امامي ، لحمي و دمي و افكاري و طباعي كلها تكبر لتصبح طفلة صغيرة تناديني بتلعثم "أبي" و تنسيني تعب يومي حين اعود مساءً لاُغرقَها بمحبتي و حناني.. نعم، لن أكون الأب الاغنى او الأقوى او الأذكى لكنني سأكون الاب الاكثر محبة و عطفا على ابنتي..
سيناريوهاتي رفقتها لطالما شغلت الحيز الاكبر من مخيلتي، فقد سمعت اولى كلماتها و رأيت اولى خطواتها و بكت على كتفي و بكيتُ انا على ركبتيها.. علمتها ركوب الدراجة و رافقتها للمدرسة اول مرة ثم رافقتها لحفلة تخرجها، و رافقتني هي للطبيب مرات عدة.. سافرت رفقتها و عكازي بيدي، و اعتنت بي حين انحنى ظهري و شاب شعري..
نعم، احببت ابنتي كثيرا و آمنت انها ستجعلني رجلا أفضل و أسعد.. لكنَّ ضميري يستيقظ غالبا وسط هذا الحلم الجميل ليعاتبني على انانيتي، فمن انا لكي اقرر ان تواجه فتاة صغيرة لوحدها مجتمعا متوحشا كهذا، مجتمع سَيُكَبِّلُها من اطرافها بأعراف و عادات لا تنتمي لدين معين او لقيم الانسانية حتى، مجتمع سينهش براءة قلبها ما إن تطأ قدماها عتبة بيتنا للمرة الاولى، مجتمع سينظر اليها جسدا سواءا ارتدت النقاب او الحجاب او التنورة.. مجتمع جاهل متعصب سيقمع صوتها لأنه عورة ظلماً و يكبح ابداعها بهتاناً.. مجتمع لن تدرس فيه ما تشاء حقا و لن تعبر عما بداخلها جهرا.. و غالبا لن تتزوج بمن احب قلبها فعلا..
فمن انا إذا لتعيش روح طاهرة كل هذه التعاسة.. مقابل بضع سنوات سعيدة لي؟!
from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً https://ift.tt/2voD86l