مريت امبارح بيوم عصيب فى العمليات .. اشتغلت حالتين صعبين .. و وصل بيا التعب و الإرهاق انى الناس فى العمليات شربونى كاتفست و ادونى بانادول و انا شغال لان مفيش فرصة افك تعقيمى .. فى حياة الإنسان ايام صعبة يدرك فيها حقيقة أنه لا شيء .. غلبان جدا .. امبارح ارهقت جسديا و اتعقمت حوالى ١٠ ساعات و لكن الأسوأ الإرهاق العقلى و الروحى .. وصلت عند بيتى الساعة ١١ بالليل مش عارف ازاي .. لقيت الشارع مضلم و هادي على غير العادة ..ركنت العربية و مقدرتش اطلع البيت .. قعدت على الرصيف و رفعت رأسي للسماء .. اعاتب السماء احيانا من فرط المحبة و العشم فى وجه الكريم .. كأنما اقول للواحد القهار ليس من اجلى بل من أجل المرضى و أسرهم .. و رغم انى أقر أن هذا عدم احترافية بعد ١٥ عام قضيتها كجراح قلب أجريت آلاف العمليات و بالتأكيد مات على أيدي مرضي الا اننى و الان احزن بشدة عندما يموت أحدهم رغم أن هذا من أساسيات المهنة .. جلست على الرصيف لا ادري كم من الوقت حتى فوجئت بحارس العقار الجديد و رغم كونه ليس سيد حارس العقار القديم الذي هو بمثابة اخى إلا أنه رجل طيب .. قال لى باخوة .. خير يا دكتور .. كفالة الشر فيه حاجة .. قلتله ممكن كباية ميه .. جابلى الراجل الكباية خدت قرصين بانادول و دوبت كيس كاتافاست .. قعدت حوالى ٥ دقائق على الرصيف و هو قاعد جنبي و ابنه الصغير بيبصلى فى مودة .. الاجمل أنه سابنى براحتى .. لا سالنى اكتر و لا استفسر .. و انا قايم قالى خير يا دكتور باذن الله و طبطب عليا .. الحقيقة أن الإنسان .. أو انا شخصيا ..كائن غلبان و ضعيف فى عدة أحيان تحتاج اي حد يطبطب عليك و يقولك باذن الله خير . المعضلة انك كرجل تمر بأيام عصيبة جدا فى حياتك تضطر بعدها أن تعود لمنزلك لتستمع لمشاكل زوجتك و اطفالك و لا مانع من كام تليفون من اسرتك و اصدقائك يزود ضغوط حياتك .. يكون جل المراد وقتها أن يترككك الناس لحالك .. يطبطبون عليك و يتركوك لحالك ..
الرجال قوم غلابة .. جدا و الله .. و يحاولون أن ينئوا باسرهم و احبتهم عن هذا العالم القاسي الذي يهوي تعذيب الرجال ..
بالامس و انا فى قلب الجراحة فقدت الامل تقريبا و كنت متيقنا أن المريض لن يخرج من غرفة الجراحة و هنا حدث شيئن .. رسائل من الله فى عقيدتى و يقينى ..
الأولى أن الفريق معك لم يفقد الأمل و قال لك صراحة ندخل على المكنة رابع مرة و مفيش مشاكل رغم العبثية ..
و الثانية .. أن فى الطب مصطلح اسمه
Desperate measures
تدابير يائسة و هى تعريف لإجراءات مشكوك فى نفعها فى الغالب تبنى على خبرات و رؤية لا يوجد ما يدلل عليها فى التوصيات العلمية ..
فى بعض المواقف تنجح هذه التدابير اليائسة ..
و هنا اقدم نصيحة للأخوة الأصغر سنا ..
لا تقوم بإجراء اكثر من جراحة صعبة فى يوم واحد إلا فى الظروف الطارئة ..
لا تفقد الامل مهما حدث و مهما اسودت الأمور ..
اختر دوما فريقا محاربا .. و حاول أن تلتزم بنفس الفريق لسنوات فهذا ينقلهم من مرتبة الأصدقاء للأخوة و هذا يغير كل شيء ..
التدابير اليائسة تعمل احيانا فلا تياس ..
انا ممتن جدا لله الكريم العظيم ..صحيح أن المريضين فى حالة حرجة إلا أنهما متماسكين و هذا هو الأهم .. الامل ..اصل المعاش ..
لم تنم بالامس و كذلك لم ينم طبيب الرعاية المذهل الذي بذل مجهودات لا يمكن وصفها و لا يملك مكافائته عليها إلا الله فهناك أمور لا تقدر بمال ..
رفقا بنا نحن الرجال ..
نحن غلابة ..
نحتاج احيانا من يطبطب علينا و يتركنا لحالنا فالراحمون يرحمهم الرحمن .. و نحن عندما نصمت لا يكون الأمر من باب الغلاسة أو عدم الاهتمام بل من باب إلا ننقل حزنا للناس و الاهم اننا نخوض معارك قاتلة لا يدري عنها أحدهم شيئا ..
د.علاء الدين عمر
from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً https://ift.tt/30QMMcg
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
دائماً، رأيكم يهمنا،