السبت، 2 مارس 2019

جماعات تملك في كل بلد مكانًا.. الغجر

عالم أشبه بالأساطير، جماعات رحل يطوون أسرار عديدة بين خباياهم في الشتاء يغرقونها في السواحل، وفي الصيف ينقلونها معهم إلى أعالي الجبال. منذ أمد بعيد والمحاولات جارية عن للكشف عن سر هذه الجماعات التي تملك في كل بلد مكانًا، والتي تعيش مع الحضارة وعلى هامشها في آن معًا، دويلات داخل الدول، لها كل المقومات إلا مقومات الأرض والحدود.

مئات الكتب خصصت للحديث عنهم وجميع الوسائل استخدمت لخرق أسرار أصلهم، وفك رموز رحيلهم الدائم، وتسلسل اختلاط قبائلهم؛ بيد أن سر الغجر مايزال غامضًا، وشعبهم مازال أكثر الشعوب مدعاة للدهشة في تاريخ البشرية. ذلك أنهم آخر من يمد يد العون لعلماء التاريخ، الذين ينكبون على دراسة أصلهم، فيخرجون باستنتاجات متناقضة، وبلمحات من الحقيقة التاريخية ممزوجة بحكايات وأساطير، لا يُعرف مدى ارتباطها بالوقائع التاريخية وتضخيمها لها.

غجر كلمة هندية أصلًا، حيث هنالك لغة هندية قديمة تدعى’’الغجراطية’’ ذكرها أستاذ اللغات جوبسون في بحث عن تعلم اللغات وصعوبة اللغات الهندية.

ويتفق معظم الباحثين في مجال الغجر أو ما يسمى بعلم الغجريات (Gypsology) على أنهم منحدرون من أصل هندي، وقد هاجروا على شكل موجات نحو الغرب والشمال مرورًا بالشرق الأوسط. وهم الشعب الوحيد الذي قدمته الهند إلى أوربا في السنين الثلاثة آلاف الأخيرة. مقابل الشعوب التي أتت من أوربا إلى الهند. ويعيش الكثير من الغجر في الهند إلى الآن كما يعيشون في كل بلد تقريبًا.

ويرى الباحث هوارد جرينفيلد (Howard Greenfield) أن الغجر بدو حقيقيون متنقلون من مكان إلى آخر غير محتاجن للاستقرار ولا يريدون أن يلتحقوا بمجتمع مستقر ثابت. وهؤلاء لا يمتلكون عادات وتقاليد وهناك الكثير من الأفكار المستمدة من القوى فوق الطبيعة.

والغجر من الشعوب القوقازية السمراء جائووا اصلًا من الهند ودخلوا أوربا في القرن الرابع عشر والخامس عشر، والآن يوجدون بصورة رئيسية في تركيا، وروسيا، وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.

وكلمة غجر هي التسمية المحلية المستخدمة في السجلات الرسمية ووسائل الأعلام في معظم البلدان العربية.

لكن هنالك تسميات محلية لهم في مختلف بلدان العالم ومنها تسمية ’’كاولية’’ في العراق و’’الخلوة’’ بالسعودية، وهم جماعات تمتهن الرقص والغناء.

حب الألوان

كان الغجر يمتهنون التقاط الطعام والصيد إضافة إلى خبرتهم في الحيوانات والمعرفة التقليدية بطب الأعشاب. ويمكن تمييز الغجر بسبب أنماط لبسهم الغريبة، ولغتهم الخاصة، فقد كان النساء يلبسن الملابس الفضفاضة المزركشة، ويتخذن زينة من الحلي المختلفة بشكل كثيف ولافت، ويضعن على آذانهن حلقات كبيرة من الفضة تنعكس عليها أشعة الشمس مكونة بريقًا يضفي على الغجرية مسحة جمالية خاصة، مع تزيين الوجه وإسبال الشعر الأسود على جانبيه، أما الرجال فيلبسون الملابس المبهرجة متعددة الألوان إضافة إلى وضع لفافة حول الرقبة. أما المهن التي يمتهنونها في العادة فهي تخضع لطبيعة حياتهم المتنقلة، فهم عادة لا يسمح لهم بامتلاك الأراضي في الدول التي تأوويهم، وفي الغالب تكون تجارة بيع الاحصنة والبغال والحيوانات الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كأعمال الفضة والحديد وصياغة الذهب، وعادة ما تكون تهم السرقة وانعدام الأمانة ملازمة للغجر بسبب أسلوب حياتهم المتنقل وسلوكياتهم غير المألوفة. كما يشير الغجر بتقديم الموسيقى في المنتزهات وفي ألعاب السيرك.

 

الحب الغجري

استخدم الغجر في الماضي العربات التي تجرها الخيول والبغال والحمير، ولكن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية واكتشاف المحركات التي تعمل بالبترول تركوا مركباتهم تلك، فقط 6% من الغجر الآن يعيشون على النمط القديم، وغالبًا ما يعيش الغجر في الخيام أو على ظهور عرباتهم، ومن عاداتهم تزيينها برسومات مختلفة، ولتلك المناسبة أسطورة تحكي أن أحد الغجر قد هام حبًا بفتاة، وعند زواجه بها طلبت منه أن يزيين لها بيت الزوجية، وقد استجاب الفتى لذلك، ووضع كل ما أمكنه من تصميمات فنية في تلك العربة، وتمضي القصة لتحكي أن الغجرية أصيبت بداء عضال سبب وفاتها؛ الأمر الذي أحزن الفتى الغجري كثيرًا، ثم قام برسم وجهين في عربته، الوجه الأول لرجل داكن البشرة يمثله هو والآخر لفتاة ذات شعر أحمر تمثل عروسه، وسار الناس على العادة وصاروا يزيينون عرباتهم بنفس الطريقة، ويخصص الغجري ربع مساحة العربة لزوجته مع إحداث فتحة بالأعلى لتتمكن من إشعال النار بداخلها.

الطلاق نادرًا

طريقة الاحتفال بالزواج عند الغجر يتبع التقاليد بصرامة من حيث يتزوج الغجري بالغجرية في سن مبكرة جدًا، ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها للزواج لفافة عنقه، وإذا ما ارتدت البنت تلك اللفافة فهذا يعني أنها قبلت الزواج به وإلا فلا، والطلاق بين الغجر نادر الحدوث.

وهناك عادة قفر الزوجين إلى المكنسة، وعادة أخرى وهي أن يتصافح الزوجان ثم تكسر قطعة من الخبز وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد منهما القطعة التي فيها دم الآخر، ثم يكسر ما تبقى من قطع الرغيف على رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال ولا يحضران إلا في اليوم التالي للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج.

تراث الشعب الرّحّال شفهي، ينتقل من الأم إلى ابنتها

عزل الولادة

تعزل المرأة الحامل عند الغجر في خيمة منفصلة بعيدة عن العربة لاعتبارها غير طاهرة، وعند قدوم ميقات وضع الطفل تذهب الأم المرتقبة بعيدًا بمفردها إلى شجرة حيث تضع مولودها هناك، أو تضع مولودها في خيمة أخرى، وتستمر فترة العزل للمرأة بعد الولادة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى شهرين، بعدها تمارس حياتها العادية اليومية بصورة طبيعية، ولا يلمس والد الطفل ولده إلا بعد أن يتم تعميده (حسب التقاليد المسيحية).

تعزل المرأة الحامل في خيمة منفصلة لاعتبارها غير طاهرة

دفن الممتلكات

أكثر العادات القديمة التي دامت عند الغجر هي عادات الوفاة من، وقد وللعربة دور ظاهر في تلك العادات، فبعد وفاة إحدى الغجر تحرق عربته! وفي الأوقات العصيبة يقومون ببناء خيمة وتدميرها عوضًا عن إحراق العربة، قبل دفن الغجري المتوفى.

وأثناء الموت لا يتناول الغجر الطعام ولا الشراب، ويقوم ثلاثة من الغجر بحراسة المتوفى من الأرواح الشريرة، وقد استمرت هذه العادات حتى 1915م، وعادة ما يكون الكفن واسعًا لاحتواء ممتلكات المتوفى جانبه، ويقومون بإلباسه أحسن الأزياء لديه، أما المرأة فتدفن معها جميع ممتلكاتها الثمينة، إلا في حالة أن يكون لديها بنات من دم غجري خالص، عندها يرثن تلك الممتلكات.

الغجر بدو حقيقيون منقلون من مكان إلى آخر ببطء غير محتاجين للاستقرار، ولا يريدون أن يلتحقوا بمجتمع مستقر ثابت

الهيام في الأرض

أن الإنسان خلق من أصول ثلاثة هي أهم معتقدات الغجر، وأن أجداد البشرية ثلاثة رجال أحدهم أسود وهو جد الأفارقة، والآخر أسود وهو جد الأوربيين وأمثالهم من البيض، والأخير هو جد الغجر، وأن هذا الجد يسمى (كين)، وقد قتل شقيقه وعوقب من الله بأن جعله هائمًا هو وذريته من بعده.

ويقال إن سبب الشتات في الأرض والتنقل هو أن الجد الغجري قد أسرف في الخمر وثمل ولم يستطيع الدفاع عن المسيح، ورواية أخرى تقول إن الجد الغجري قد صنع المسمار في الصليب الذي أراد أعداء المسيح صلبه عليه. كل هذا الأشياء تعطي تعطي الانطباع بأن الغجر دائمًا يقفون في صف مناقض للمسيحيين، وقد تبدو هذه المواقف أحد مبررات الكراهية ضد الغجر من قبل الأوربيين.

مذاهب متعددة

انقسم الغجر في دياناتهم، حيث أصبح جزءًا منهم مسلمين كما في البوسنة والهرسك، بينما جزء آخر تبعوا مذهب الأرثذوكس في صربيا والجبل الأسود، كما اصبح معظم الغجر في أوروبا الغربية رومان كاثوليك، ولكنهم حافظوا على الكثير من معتقداتهم السابقة قبل اعتناقهم المسيحية.

تفرقت لغة الغجر بتفرقهم وتأثرهم بألسنة القوميات المتعددة التي عاشوا وسطها، إلا أن هناك لغة مشتركة أسهمت في كثير من الأحيان في الحفاظ على وحدة عميقة بين صفوفهم.

الموت بعد 18 سنة

يتعرض الغجر لممارسات عدوانية من الشعوب المستقرة على مر التاريخ، وتمثلت الإعتداءات عليهم في الترحيل القسري، وعد الاعتراف بهم كمواطنيين في البلدان التي يقيمون فيها، حيث يتم حيث يتم ترحيلهم من مناطق عديدة في أوروبا، وقد وصلت قمة الكراهية للغجر في أمر أصدره ملك (بروسيا) سنة 1725م ويقضي بقتل كل غجري فوق الثامنة عشرة بالعمر. ومع تطور عصر النهضة الصناعي إبّان عصر النهضة في أوربا وظهور المجتمعات الحضرية، تعرض الغجر لمراقبة السلطات في البلدان الأوربية، حيث قامت بافاريا بإنشاء وزارة متخصصة بشؤون الغجر، وكانت مركز العداء لكل ما هو غجري في المانيا حتى قيام النازية، في فبراير سنة 1929م صدرت قوانين تلزم الغجر الذين ليست لهم منة ثابتة في المانيا بالعمل القسري، وقد طبق هذا النظام في عدد من الدول الأوربية.

وأنشأ هتلر مكتبًا مركزيًا لمكافحة خطر الغجر، وكانت الوظيفة الأساسية لهذا المكتب هي فرز الغجر الأنقياء من الغجر المختلطين، وقد تمت العديد من الممارسات العنصرية ضدهم في ذلك العهد، حتى وصل بهم الحال إلى وضهم في زرائب ذات سياج كما توضع البهائم، وقد قتل العديد منهم في المعسكرات الأخرى بسبب الجوع والمرض والتعذيب، وبسبب استخدامهم كمادة للتجارب، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية مات خمسة عشر ألف غجري من اصل عشرين الفًا كانوا متواجدين بألمانيا، ومثلت هذه الحادثة أقسى عمليات إبادة عرقية تلك الفترة.

سر الغجر مازال غامضًا لأنهم يخلطون الوقائع التاريخية بالأساطير

شعب النجمة

يعيش الغجر في أوربا في رحيل بطيء ولأنهم رحّل يبتعد الناس عنهم ويخافونهم.

فالناس لا يحبذون أن يتصرف لآخرون على غير شاكلتهم. وهذا ما دفع بالأوربيين لأن لأن ينظروا إلى الغجر على غير حقيقتهم، ويحملونهم مالا يطيقون من الأوزار؛ فاتهموهم بسرقة الأطفال، والواقع أن هذه التهمة لا تمت بالحقيقة بصلة، إذ درج الغجر على التقاط الأولاد المنبوذين، فسارع الناس إلى صبغ هذه العادة بنوايا سوداء، وقالوا بأن الغجر يلتقطون الأطفال لتشغيلهم فيما بعد.

اكتشف المؤرخون أن الغجر زرعوا أولى بذور احضارة في كل مكان اجتازوه، منذ أزمة قبل التاريخ، حتى إن ههوميروس أطلق عليها إسم ((شعب النجمة)) لأن تراث هذا الشعب الرحال تراث شفهي كله، ينتقل من الأم إلى ابنتها، ولا يمكن معرفة شيء عنه سوى ما يقبل الغجر بكشفه.

وحين يطلب الباحث الحقيقة بأفواه أصحابها، يجد أن الأساطير تختلط لديه بالوقائع التاريخية؛ فالغجر يتقنون رواية القصص، ويزينون بالحكايات الخارقة أطول السهرات..

وهم يؤكدون أنه من الطبيعي جدًا أن يرى الغجر المستقبل بأكثر وضوح من باقي سلئر الشعوب؛ لأنهم شعب مختار، ويؤكدون مقولة عمرها نصف قرن تقول إن الغجر، حين تحين ساعتهم، وينتهي الناس البلهاء من إفناء بعضهم بعضًا، بإطلاقهم قوى عشواء، ينزلون من جبال تيبت، ويصبحون ينبوع حياة جديدة على الأرض.

ويطلق الغجر على أنفسهم ألقابًا مختلفة، كـ ((أولاد الطرقات))، و((شهود الزمان))، و((أبناء الرياح))؛ لأنهم لا يركنون أبدًا في مكان ثابت.

وقيم على الغجر رئيسًا، يمكن تمييزه بوضوح من عصاه والأزرار المذهبة على سترته، وهذا الرئيس يمارس سلطة قريبة من السلطة المطلقة، كما أنه يلفي الأحكام القضائية، ولا استئناف لحكمه.

بالإضافة أنه هو الذي يبارك الزواج، وفقًا لعادت قديمة، تقوم على تقديم الخبز والملح للخطيبين، ومبادرتهما بالصيغة التالية: "عندما لا يبقى لهذا الخبز وهذا الملح أي طعم في فمكما، تكونان قد مللتما أحدكما الآخر". ثم يجرح معصمي الرجل والمرأة ويمزج دماءهما.

عشرة غجريين

تردد الحديث في الستينيات عن إنشاء دولة مستقرة للغجر، وقد تدخت الأمم المتحدة في الموضوع، ولكن لم يسفر عن أية نتيجة؛ والسبب هو أن عشرات الألوف من الغجر عارضوا هذا المشروع لأسرار يحتفظ بها الغجر بشدة.

ولكن ما يعرف بالتأكيد هو أن الغجر يعتبرون أنفسهم(أبناء الرياح.. الشعب المختار).

ويعتزون بمثل غجري يقول: "إذا قطعت غجريًا إلى عشرة أقسام، فلا تظن أنك قتلته.. وإنما أنت في الحقيقة قد صنعت منه عشرة غجريين".

______________________________________

وختامًا يجدر بي التنبيه: المساهمة قد تقصر وتنسى وتسهو وتغفل وتخطئ، كأي عمل بشري..

ولكم مني وافر الشكر



from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً https://ift.tt/2Ha7qhq

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دائماً، رأيكم يهمنا،