السبت، 14 يوليو 2018

قصة من الحياة عادية نوعا ما (الحلقة الأولى)

كانت في السابعة والثلاثين حين تعرفت به أول مرة من خلال أحد مواقع الدردشة بغرض تحسين اللغة الإنجليزية، بينما كان هو في الثامنة والعشرين من عمره. والحقيقة أن علاقة داليا بالدردشة مع أصدقاء على الإنترنت قد بدأت منذ أن كانت في العشرينات من عمرها.. أعجبتها فكرة التعرف بأناس من بلدان مختلفة، وكانت قد وضعت لنفسها مجموعة من القواعد والحدود سرعان من تجاوزت بعض منها بمرور الوقت، كأن تحادث فتيات فقط فقد كانت هذه أول القواعد اختراقا.. ثم صارت لائحة أصدقائها لا تضم الفتيات أصلا، لم يكن الأمر باختيارها .. فالمعتاد أن يبدأ المحادثة مع الفتاة شاب .. وهكذا صارت محادثاتها مع شباب فقط بمرور الوقت.. ولكن ظلت في حدود الحديث عن أمور عامة كالدراسة أو الدين أو عادات بلدها أو بلده وما إلى ذلك.. لا أحاديث عن المشاعر .. لا أحاديث عن شكلها أو هيئتها.. الدردشة تقتصر فقط على الكتابة.. لا أحد مسموح له بسماع صوتها او رؤيتها أو صورتها التي لم تكن حتى تضعها على صفحة التعريف بها.. وهكذا مضى بها الوقت مع صداقات بريئة لطيفة قصيرة على الإنترنت... والحق أنها كانت إنسانة نشأتها ملتزمة ومتحفظة وكانت متدينة فعلا.. ولذلك كانت هذه القواعد التي وضعتها لنفسها هي قناعات تؤمن بها وتريح بها ضميرها من عناء الشعور بحرمة الحديث مع رجل أجنبي عنها.. إذن ما الذي دعاها لهذا النوع من الصداقة؟.. دعاها لذلك الشعور بالوحدة والفراغ.. لقد كانت طول عمرها فتاة خجولة ومنطوية قليلة الصداقات، رغم تفوقها الدراسي وثقافتها.. إلا أنها كانت دوما وحيدة ... حتى الشعور بحب شخص ما لها أو إعجابه بها لم تجربه قط؛ فوجدت في هذه الصداقات الافتراضية مجالا للتعبير عن ذاتها والتخلص من وحدتها.. وقت أن التقته كانت ما تزال متمسكة بقواعدها في الصداقة... أما هو فقد بدا لها منذ الوهلة الأولى على النقيض منها تماما... كانت الصورة التي وضعها لنفسه لطيفة جدا .. كانت بشرته سمراء .. يقف على ظهر مركب في البحر تعلو وجهه ابتسامة مرحة.. لقد استلطفته منذ الوهلة الأولى... عرفها بنفسه وأن هدفه من التسجيل في موقع الدردشة باللغة الإنجليزية هو تحسين اللغة استعدادا لمقابلة عمل في شركة جديدة، وهي كذلك عرفته بنفسها تعريفا مختصرا: داليا, مهندسة, في السابعة والثلاثين.. وإذا يباغتها بسؤال هل وقعت في الحب من قبل؟... ردت: لا تسأل هذا السؤال.. أجابها ضاحكا لقد سألته بالفعل.. ردت بابتسامة: إذا لا تسأله مجددا.. ثم إني قد حددت الموضوعات التي أحب التحدث فيها بالفعل في الموقع.. أجابها: لا ألتزم بالقواعد.. ردت: يجب عليك أن تلتزم بالقواعد.. ستكون هذه إجابة سيئة جدا في مقابلة العمل.. قال:لو التزمت بجميع القواعد سأكون شخصا مملا جدا..وأضاف بصيغة استفزازية: إجابة السؤال واضحة على أي حال... ردت: واضحة؟.. أجابها: نعم.. أنت فتاة هادئة تقضين معظم وقتك صامتة .. بداخلك الكثير من الأسئلة والكثير من الأشياء التي لا تفصحين عنها.. كنت دائما تجلسين في الصف الأول في الفصل.. وحصلت على أكثر من تسعين بالمائة في المدرسة الثانوية.. ثم أضاف ضاحكا: هذا تقريري عنك! شعرت بالصدمة .. فصمتت برهة، قطعها بقوله: الصمت علامة الإيجاب؟.. لقد كان كلامه صحيحا لدرجة أخافتها، ولكنها وجدت أنها يجب أن تظهر اللامبالاة .. فردت: لا .. علامة عدم الاهتمام!

فأجابها بمزيد من الاستفزاز: لا.. أنا واثق أنك قرأتيه وحللتيه وحسبت النسبة المئوية للصحيح منه!.. ردت بغيظ: حللته.. أجاب: نعم... قالت: لا ليس لهذه الدرجة... ثم تفلسفت بعض الشيء: بالطبع قرأته.. أنت تقرأ الكثير من الأشياء كل يوم، منها ما تهتم بها ومنها ما تلقيه جانبا.. أجابها بمزيد من الاستفزاز: لا.. أنا واثق أنك قرأت ما كتبت وحللتيه وحسبتي النسبة المئوية للصحيح منه!.. ردت وقد شعرت بشيء من الغيظ: حسبت؟.. لا ليس لهذه الدرجة, ثم أرادت أن تتفلسف: أنت تقرأ يوميا الكثير من الأشياء منها ما تهتم به ومنها ما تلقيه جانبا... قأجابها ضاحكا: أنت عنيدة, ردت مبتسمة: ربما ... علي أن أذهب الآن.. تفضلي.. سعيد بالتعرف إليك وبانتظار الحوار معك مجددا... انتهى الحوار وقد شعرت بداخلها بمزيج من الدهشة والسعادة الخفية, لقد استفزها بالفعل إلا أنه ظريف حقا, وأحست بأنها في انتظار اللقاء المقبل.



from حسوب I/O - الأكثر شيوعاً https://ift.tt/2mitquE

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دائماً، رأيكم يهمنا،